اخبار
الثقافة والصحافة على طاولة «نادي الخريجين»: تساؤلات عن دور المثقفين البحرينيين.. والعزوف عن الكتابة والمشاركة المجتمعية
لعب نادي الخريجين منذ تأسيسه عام 1966 دورا مهما في الحركة الأدبية والثقافية بمملكة البحرين، من خلال تقديم برامج وندوات ثقافية متنوعة في جميع المجالات، لذا كان الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير حريصًا على تلبية دعوة الأستاذ عبداللطيف أحمد الزياني رئيس مجلس إدارة نادي الخريجين لحضور المجلس الرمضاني للنادي، وحمل في جعبته العديد من التساؤلات بشأن دور المثقفين في المجتمع، ومنها طاف النقاش الثري إلى غياب كتاب الأعمدة في الصحف المحلية، وانتقل إلى أكذوبة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يمارسها الغرب تجاه دولنا، والتي انكشفت عورتها على صخرة أكاذيبهم في قطاع غزة.
هذا الحوار الممتد في «بيت المثقفين البحرينيين» كان البداية التي اختارتها «أخبار الخليج» لموسم المجالس الرمضانية لعام 2024.
الديمقراطية وعورة الغرب في غزة
بدأ اللقاء بالحديث عن الحال الذي تعيشه الصحافة على المستويين الإقليمي والعالمي، إذ قال الأستاذ علي محمد صليبيخ نائب رئيس مجلس إدارة نادي الخريجين إن الصحافة الغربية هي صحافة حرة شكليا، لكنني أرى أنها كلها موجهة.
وعقّب الأستاذ أنور عبدالرحمن قائلا: الصحافة البريطانية لا تأخذ أوامرها من الوزراء أو من الملك أو رئيس الوزراء أو من مجلس العموم، ولكن يأخذون أوامرهم من الشعبة الخامسة في الاستخبارات العسكرية، ورؤساء التحرير في الصحف الإنجليزية لا ينكرون هذه الحقيقة.
وتناول عبدالرحمن قصة تأسيس الزميلة «جلف ديلي نيوز» عام 1978، عندما قال له المرحوم محمود المردي: «I will leave it to you»، وتقدم لنا عدد من الصحفيين الإنجليز ممن كنا نريدهم في مناصب قيادية بالجريدة الوليدة، والتقيت بهم في لندن، وقلت لأحدهم إنه على الرغم من خبرتك الطويلة فإنك لم تصل إلى منصب قيادي في أي صحيفة عملت بها، فأجابني أن ذلك أمرٌ غير ممكن لأن والده كان أحد القياديين في الحزب الشيوعي الاسكتلندي، لذلك لم يتم الوثوق به كرئيس تحرير أو مدير تحرير للصحف اللندنية الكبرى.
وعلّق عبدالرحمن جمشير عضو مجلس الشورى قائلا إن أزمة غزة كشفت كل ديمقراطية الغرب.
وتساءل أنور عبدالرحمن كيف ستكون نهاية هذه الحرب؟ وهل سيكون هناك أمل للشعب الفلسطيني؟ أم أن كل هذه الدعاية الأمريكية والغربية ستنتهي إلى لا شيء؟! هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه على الساحة حاليا.
ونوّه بموقف رئيس وزراء ماليزيا الذي كشف ازدواجية الغرب خلال لقائه المستشار الألماني مؤخرا، وهو ما حرصنا على إبرازه في «أخبار الخليج».
وقال رئيس التحرير إن أحد عيوب العرب أنهم علمونا منذ الصغر أن نخجل من قول الحقائق، ويجب ألا نخجل عندما نتعامل مع الغرب، أما مسألة ديمقراطية الغرب فقد انكشفت، وظهرت أنها «كلام بلا قيمة».
وأكد عبدالرحمن جمشير أن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية يؤثر في مواقف الجمهوريين والديمقراطيين.
وطرح عبدالعزيز اليحيى نائب رئيس نادي البحرين سؤالا عن الانتقادات الموجهة للمواقف الخليجية والعربية من أزمة غزة؟
وعلّق أنور عبدالرحمن: ليس لدينا القوة العسكرية للدخول في ميدان المواجهة في هذه المرحلة، وذلك ليس ضعفا عن مواجهة إسرائيل، ولكن إدراكا للدور الأمريكي الداعم لإسرائيل عسكريا، وهو من الدروس التي تعلمناها من الحروب العربية الإسرائيلية السابقة وآخرها في عام 1973، لأن أمريكا لا يمكن أن تتقبل هزيمة إسرائيل.
والدول العربية تتسم حاليا بوجود قادة عقلاء بعيدين عن العنتريات، ويتحملون انتقادات أصحاب العقول غير الناضجة الذين ينتقدون عدم تورط العرب في الحرب مع إسرائيل، لأنهم لا يدركون أن ذلك قد يؤدي إلى تدمير البلدان العربية.
وأكد علي صليبيخ كلام رئيس التحرير، مدللا على ذلك بتدخل الولايات المتحدة لتحجيم كل الموالين لحماس سواء إيران أو حزب الله، وهو ما دفع إيران إلى إنكار أي دور لها في عملية 7 أكتوبر.
وعقب الأستاذ عبداللطيف الزياني قائلا إن نادي الخريجين والأندية الوطنية في عام 1984 شكلوا لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني، وخاطبت هذه اللجنة الأمين العام للأمم المتحدة حينها وكانت من أوائل من طالبوا بمحاكمة رئيس وزراء إسرائيل كمجرم حرب.
وأشاد عبدالرحمن جمشير بالمقالات التي كتبها الأستاذ أنور عبدالرحمن عن غزة في «أخبار الخليج» قائلا: لقد أبدعت في مقالاتك عن غزة، وملأت الفراغ في الساحة.
بيتُ المثقفين ودورُ المثقف البحريني
وانتقلت دفة الحوار إلى زاوية جديدة، عندما قال الأستاذ أنور عبدالرحمن: إننا اليوم في نادي الخريجين الذي يعد بمثابة «بيت المثقفين البحرينيين»، وهذا يقودنا إلى السؤال عن دور المثقف في المجتمع البحريني، ودور النادي في الحياة الثقافية البحرينية؟
وأجاب علي صليبيخ نائب رئيس مجلس إدارة نادي الخريجين مؤكدا أن النادي منذ 1970 إلى اليوم الحراك الثقافي فيه مستمر ولم يتوقف، إذ استضاف النادي العديد من الشخصيات السياسية والثقافية، منهم حنان عشراوي وبهية الحريري وهدى عبدالناصر ونزار قباني.
وتداخل يوسف بوجيري رئيس اللجنة الثقافية السابق بالنادي، مؤكدا أن النشاط الثقافي بالنادي لم يقم به شخص بعينه، ولكن أقامته إدارة النادي، منوهًا بدور عبدالرحمن جمشير خلال رئاسته النادي على مدار السنوات السابقة، إذ تمكن النادي كمؤسسة أهلية من بناء علاقات جيدة مع المؤسسات الرسمية في الدولة، وتمكنا من بناء نوع من الثقة، إذ استشعروا أن كل برامجنا الثقافية وكل الشخصيات الفكرية التي استضفناها من خلالها تستهدف إبراز مكانة البحرين الحضارية والثقافية.
وتابع قائلا: حرصنا على تنويع البرامج الثقافية ولم تكن مقتصرة على فكر معين، كان لدينا متحدثون دينيون ويساريون وقوميون، وأقمنا نشاطا ثقافيا متنوعا، وكنا مواكبين للأحداث في الساحتين العربية والإقليمية.
وتطرق إلى أن النادي استضاف سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وعندما طرحنا الاسم على سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وزير العدل حينها رحب بهذه الخطوة، وقال إنه أمر جيد أن تأتي الاستضافة من مؤسسة أهلية وليس من المؤسسة الرسمية.
وأكد يوسف بوجيري أن المؤسسات الأهلية في البحرين يجب أن تتبنى مشاريع ثقافية مستقلة، حتى تكون لها مصداقية أكثر، وتتيح لها المساحة في استقطاب الناس بعيدا عن الصفة الرسمية.
وتطرق إلى أن هناك عزوفا في المشهد الثقافي بشكل عام، وهو الأمر الذي لا يقتصر على نادي الخريجين فحسب، ولكن الأندية بشكل عام.
وكشف عبدالعزيز اليحيى نائب رئيس نادي البحرين عن أن النادي بصدد إطلاق منتدى عيسى بن راشد.
بدوره، قال علي صليبيخ نائب رئيس مجلس إدارة نادي الخريجين إن هناك إشكالية في الوقت الراهن تتمثل في وجود انحدار في المستوى الثقافي، فاليوم لدينا الكثير من حملة الشهادات الجامعية، ولكن الوعي والثقافة العامة معدومان، إذ هناك اقتصار من الخريجين الجدد على تخصصاتهم فقط من دون الاطلاع على مشارب أخرى من الثقافة.
وعقّب أنور عبدالرحمن قائلا: حتى الغرب يعانون من هذه المشكلة.
وتابع: بدأت عملي في مكتبة الهلال، وكان لدينا سنويا ما بين 5 و7 كتب الأكثر مبيعا عالميا، واليوم نبحث عن كتاب واحد بهذه الصفة فلا نجد.
فعندما ألّف هنري شاريه كتاب «الفراشة» عام 1970، النسخة الإنجليزية الشعبية باعت في السنة الأولى ملايين النسخ، وعندما ألّف أليكس هالي كتاب «الجذور» تم تداول الملايين من الكتاب، أما اليوم فإنّ أي دور نشر بريطانية إذا طبعت 100 ألف نسخة من أي كتاب فإنهم يعتبرون ذلك من المعجزات.
وأردف أنور عبدالرحمن: إن مشكلة عدم القراءة هي مشكلة دولية؛ لأن الأقلام الكبيرة لم تعد موجودة، حتى كُبرى الصحف الأمريكية تفتقد ذلك، وهناك نوعٌ من قحط العقول على مستوى العالم وليس فقط على المستوى العربي، والعباقرة يختفون من على المسرح العالمي.
وأشار إلى أن المنتصر على الساحة العالمية حاليا هو «تكنولوجيا المعلومات»، وفي ظل التقدم التكنولوجي أصبح هناك ما يعرف بشراء العقول، واليوم نجد أن شابا آسيويا بسيطا بات يحصل على آلاف الدولارات من وراء «الكمبيوتر»، وأعلى متوسط رواتب حاليا في الدول الكبرى للآسيويين.
وأوضح رئيس التحرير أن ثورة التغيير المعلوماتية فرضت على الرجل الأبيض أن يعترف بأن يقبل بوجود الآسيويين في قيادة شركات تكنولوجيا المعلومات التي باتت مطلوبة في كل حقول المعرفة.
وانعطف الحوار إلى زاوية أخرى، طرح من خلالها الأستاذ أنور عبدالرحمن دعوة إلى استقطاب كتاب جدد يثرون الساحة الثقافية البحرينية عندما قال إننا نحتاج في صحافتنا إلى كتاب قادرين على البحث والتنقيب عن المعلومات قبل الكتابة عن أي موضوع، لذلك نرى كتابات في الصحافة الخليجية والعربية دون المستوى.
واستذكر رئيس التحرير لقائه مع الكاتب الإيراني «أمير طاهري»، الذي أجاب عن سؤال عن توقفه عن الكتابة بكلمة فارسية تعني «لقد انتهت صلاحيتي»، مضيفا أن «المرحلة تتطلب جيلا جديدا، أنا أمثل الماضي، ليس الحاضر ولا المستقبل».
وتابع قائلا: إننا نبحث عن أجيال جديدة من الكتاب لأن عقلياتهم ورؤاهم غير السابقين.
وتتداخل علي صليبيخ مشيرا إلى مستوى التردي الذي تظهره التعليقات المكتوبة على منصات التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا».
وتساءل عبداللطيف الزياني عن الفارق بين المثقف والمتعلم؟
وعقّب أنور عبدالرحمن قائلا إن كلمة المثقف عندما ننظر إليها في اللغة الإنجليزية «The intellectual» تشير إلى النخبة والصفوة ودورهم في المجتمع، لافتا إلى أن الكاتب الأمريكي وليام شيرر عندما ألّف كتابه عن الحرب العالمية الثانية وسقوط الرايخ الثالث، ذكر أن الأوامر الصادرة من الاستخبارات الألمانية أنه في حال أرادت ألمانيا احتلال بريطانيا فإن عليها اعتقال 6 آلاف مثقف بريطاني خلال 48 ساعة؛ لأن بقاءهم في الشارع يشكل خطورة على ألمانيا.
وعلينا أن ننظر إلى دور المثقفين الفرنسيين في إيقاف الحرب الفرنسية على الجزائر، وكذلك دور المثقفين الأمريكيين في إيقاف الحرب الفيتنامية.
هذه كلها مواقف تعكس الدور الكبير للمثقف، لكن هل استطاع مثقفونا أن يصلوا إلى قناعة أن لهم دورا في المجتمع أم أنهم مازالوا بعيدين عن أداء دورهم، وظلوا حبيسين أبراجهم العاجية؟
إن أبواب الصحافة مفتوحةٌ للمثقفين من أجل أن يكتبوا ما فيه خير للبلاد والأمة، ويجب ألا يكون الكاتبُ عقائديا.
ونحن في الصحافة لا نرد المقالات التي بها انتقادات موضوعية ومنطقية، نقد يبني البلاد لا نقد يهدمها.
ويجب أن يضع كل كاتب مقال أمامه معيارا أن هناك ثلاث فئات يقرؤون له؛ الأولى من هم أعلى منه علما، والثانية من هم في نفس مستواه العلمي، والثالثة من هم أقل منه علما، وللأسف غالبية الكتاب لا يضعون هذا المعيار أمامهم.
وعندما ننظر إلى الصحافة الغربية نجد أن الكتابات بها مسيّسة، والحرب في غزة كشفت هذا الوجه القبيح بوضوح.
وجدّد أنور عبدالرحمن دعوته إلى الحضور للبحث عن وجوه جديدة في عالم الكتابة، فالشارع متعطش للكتاب.
وتتداخل حسن النصف متسائلا عن أسباب خلو الصحافة المحلية من كتاب الأعمدة، هل هو الكاتب أم الصحيفة؟ وما يوجد حاليا في الصحافة هو الأخبار التي نراها في التلفزيون.
وعقّب أنور عبدالرحمن قائلا: إن هذه إشكالية ممتدة في الصحافة العربية والغربية.
بدوره، قال عل صليبيخ: إنني أرى هذه القضية مرتبطة بوعي وثقافة المجتمع، إذ إن المجتمع في السابق كان أكثر عمقا ونضجا، لكن في الوقت الراهن علينا أن نبحث في الحلول اللازمة لرفع الوعي الثقافي في المجتمع، وهذا ليس دور جهة معينة، ولكن تشكيل الوعي العام يشمل الجهات التعليمية والمؤسسات المعنية بالشباب والرياضة، والجامعات.
من جانبه أشار عبدالعزيز اليحيى إلى غياب القراءة في الأجيال الجديدة، في الوقت الذي كانت تعج المكتبات في السابق بالقراء.
وعلّق أنور عبدالرحمن قائلا إن المكتبات تغلق أبوابها في بريطانيا سنويا، ففي الوقت الذي كانت بها 1740 مكتبة، حاليا بها ١٠٧٢ مكتبة فقط، أي أن ثلث المكتبات أوصدت أبوابها.
والنشاط الفكري والثقافي اليوم للكتب الإنجليزية مازال متقدا في الهند التي تشهد حركة ثقافية متزايدة، سواء على مستوى المكتبات أو الطباعة.
وأشار يوسف بوجيري إلى التجربة السعودية على المستوى الخليجي، التي تشهد طفرة على المستويين الإعلامي والثقافي، ونحن نفتقد ذلك في البحرين؛ لأنه لا يوجد إنتاج إعلامي صحيح، فوسائل التواصل الاجتماعي أخذت دور الكتاب، لكن لا يمكن للثقافة أن تفتقد الكتاب.
وأعتقد أن هناك كتابا مترددين عن الكتابة؛ ربما لأنهم يتساءلون عن المساحة المسموحة لهم للكتابة؟ وما هي مساحة الحرية أمامهم حتى لا يصورون المجتمع البحريني على أنه مجتمع نرجسي، فإذا كانت هناك إنجازات فعلينا الإشادة بها، ولكن إذا كانت هناك ثغرات فعلينا أن نشير إليها من أجل دفع البلاد إلى الأمام.
وأجاب أنور عبدالرحمن عن تساؤل يوسف بوجيري قائلا: الدولة ليس بيدها سيف للانتقام من هذا أو ذاك، ولكن على الكاتب أن يحسب حسابه عندما يكتب، وبعض الكتاب إذا قلت له احذف هذا السطر يظن أنك لا تحترمه، ولا يعلم أنه حتى في بريطانيا يحق لكبير المحررين أن يعيد كتابة مقال كلية، فالعمود الصحفي ليس «هايد بارك» يحق لك أن تقف لتقول ما يحلو لك من دون ضوابط موضوعية.
ولكن إنصافا أقول لكم إنه في البحرين مقارنة ببقية الصحف الخليجية فإن سقف الحرية عندنا أعلى، فالمقالات التي كتبناها عن القضية الفلسطينية منذ أكتوبر حتى الآن لا يوجد مثيل لها في الصحف الخليجية.. في البحرين سقف الحرية أرفع من بقية دول الخليج.
وتابع رئيس التحرير: المشكلة أننا عندما ننتقد أي شيء نكره أي شخص يخالفنا في الرأي، رغم أن هذا الأمر ليس شخصيا، وعلينا احترام اختلاف الآراء.. ونحن في الصحافة لا نقبل أن نتاجر بالأخلاق، ولا يجوز ذلك مطلقا.
ويجب أن تكون لدى كل مؤسسة الرقابة حتى لا يصير هناك نوعٌ من الفوضى.
من جانبه تطرق عبدالرحمن الزياني إلى ما أُثير عن العزوف عن الكتابة وتراجع الأعمدة الصحفية، مشيرا إلى أن المسألة ترتبط بالعرض والطلب، فهناك من لديهم القدرة على الكتابة في كل المجالات، في مقابل الإقبال على القراءة.
ونحن ليس لدينا نقص في المثقفين وأصحاب القدرة على الكتابة، سواء في البحرين أو في المنطقة، لكن هل هناك عزوف من المجتمع عن الإقبال على القراءة، وهل هناك جدوى من الكتابة والنشر؟
وعلّق أنور عبدالرحمن قائلا: من حسن الحظ أننا عاصرنا تجربة البحرين، ففي التسعينيات غاب دور المثقفين عن الأحداث التي جرت في البحرين، وجلسوا في أبراجهم العاجية، وتخلوا عن المسؤولية كلية، فيما تصدت للأمر جهتان فقط، الأمن والصحافة.
أما من ناحية أنه لا فائدة من الكتابة، فأوضح رئيس التحرير أننا في الصحافة مواطنون نؤدي دورنا أسوة بالأطباء والمهندسين، ويجب أن نستمر في القول والكتابة، أما مسألة الاستماع لما نقوله فهذا أمر ليس في أيدينا، والبعض يرى أي تقدم بحسب معتقداته فحسب.
وذات مرة جلست مع «ابن شاه إيران» في واشنطن، وسألته عن أسباب ما حدث في إيران، فأجابني قائلا إن الدين يلعب دورا.
وقال أنور عبدالرحمن إن بعض المثقفين حتى الآن تُدار أفكارهم من خلال المؤسسات الدينية.
وعقّب حسن النصف موضحا أن المثقف لا يمكن أن يتخلى أن أفكاره وحتى آيديولوجياته، وما يكتبه يعبر عن قناعاته بغض النظر عن انتمائه إلى هذا الحزب أو ذاك، والصحافة يجب أن تكون شاملةً للكل، حتى يمكن أن نخلق جيلا مثقفا واعيا.
ورد أنور عبدالرحمن قائلا: إنني أتحدث عن أن الكاتب يجب أن يفكر كإنسان، ولا تغلب عليه عقيدته في الكتابة.
وعاد النصف ليشير إلى أن البحرين بها من يحملون الكثير من الأفكار لتطوير البلاد، ويحاولون أن يشاركوا في إبداء آرائهم، ولكن مازالت هناك أسبابٌ تجعلهم لا يشاركون في كتابة الأعمدة، ربما لأنهم لا يجدون مساحة الحرية في الكتابة، والأمر ليس مجرد انتقاد الحكومة، فإن من ينتقد عليه أن يضع الحلول ويقدم المعالجة؛ لأننا لا نقبل إلا بالكاتب الموضوعي الذي لا يتعرض للأشخاص، ويكون عموده يهم المجتمع، ولا يتحزب لجهة على حساب جهة أخرى.
وعقّب رئيس التحرير قائلا: لا يوجد غول اسمه الحكومة؛ فكل وزير حكومة وكل شرطي مرور حكومة، وعندما أنتقد تقصيرا ما فلا يوجد من يرفض ذلك، ولكن أسلوب الطرح هو الذي يُفرّق بين كاتب وآخر بعيدا عن التطاول الشخصي.
وفي مداخلته أوضح د. سلمان الزياني أستاذ الصحة العامة في جامعة الخليج العربي أن هناك تغيرا في الأجيال؛ فإذا كانت الصحافة تواجه مشكلات حاليا فإن هذا لا يقتصر عليها فحسب، ولكن كل الوسائل التقليدية كالتلفزيون والإذاعة وغيرهما؛ وذلك لسبب بسيط هو أن المتلقي تغيّر.
ففي السابق كان المتلقي مواليد الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، وحاليا المتلقي أكبرهم مواليد السبعينيات وأصغرهم مواليد عام 2000، وهذه الشريحة لا تقرأ الصحافة المكتوبة، ولا تشاهد الإعلام المرئي التقليدي، ولكنهم يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي «إكس» و«الإنستغرام» و«التيك توك»، التي تحولت إلى وسائل لنقل الصورة الحقيقية للأحداث، وهو ما حدث في حرب غزة التي رأيناها على «التيك توك» ولم نرها على «البي بي سي» أو حتى في الصحافة.
وتابع الزياني قائلا: عندما أكتب رأيا عن حرق المصحف في الدول الاسكندنافية أفتح تلفوني وأنشره فورًا.
اليوم لدينا حملة الشهادات العليا بأعداد تفوق الأجيال الماضية، وهؤلاء لديهم وعي أوسع من دون التقليل من الأجيال السابقة؛ لأن الأجيال الجديدة لديهم اطّلاعات أكبر.
وإذا أردنا الوصول إلى هؤلاء المثقفين فعلينا أن نخلق لهم قناة ووسيلة للتواصل، وتوصيلهم إلى الأجيال الجديدة من الشباب بوسائلهم.. وعلى «أخبار الخليج» أن تؤسّس قناةً حديثةً للشباب.
وقال يوسف بوجيري إن هناك مشكلة في البحرين علينا حلها، هي العزوف الثقافي وقلة الكتاب، وأعتقد أن هناك قصور في الدعم المقدم من المؤسسة الثقافية الرسمية، والأندية الأهلية