سياسة وعلاقات دولية

إعــــلام.. من يدفع أكثـــــر

أشرف المرزوق

قناة العربية ترفع شعار (أن تعرف أكثر)، قناة الجزيرة ترفع شعار (الرأي والرأي الآخر)، المحور المصرية شعارها (قناة العائلة العربية)، فيما النهار الجزائرية (مع الحدث حيثما كنتم)، وعلى ذات المنوال تحرص كل المحطات التلفزيونية نسج شعار (Slogan) يمثل اختصارًا لهويتها المهنية بغض النظر عن مدى مطابقته لمحتوى ما تعرضه. ولا يخفى على راصد مختص أن شعارًا تمارسه بعض الفضائيات والصحف ووسائل الإعلام الجديد عنوانه (صوت.. من يدفع أكثر)!!

تشتكي العديد من الدول وفي مقدمتها مملكة البحرين من حملات تحريض وتشويه وابتزاز ممنهجة تستهدف وحدة نسيجها الاجتماعي وإنجازاتها الوطنية والسياسية.

وسأحاول عبر سلسلة من ثلاث مقالات أن أحلل بموضوعية وإيجاز أبرز صفات هذا النوع من الإعلام المغرض ومن يقف وراءه وكيفية التصدي له.

نؤكد بداية أن الإعلام رسالة مجتمعية هادفة قوامها الأمانة والحقيقة ونشر الوعي، وأن لكل مهنة أخلاقيات وميثاق شرف مكتوب أو متعارف عليه، وأن المؤسسات الإعلامية والإعلاميين بشر مجتهدون يرتكبون كغيرهم من الأخطاء المهنية بسيطها وفادحها. ومن هنا يمكن تمييزهم عن إعلام الارتزاق الرخيص، الأخير الذي يمارس عن سبق إصرار وتعمد الفبركة والكذب بهدف تحقيق غايات أو مكاسب معينة، فهو بذلك إعلام فاسد ووصمة عار في جسد الأسرة الإعلامية.

وليأتِ السؤال المهم.. هل كل من ينتقدني يكون بالضرورة إعلامًا مأجورًا مغرضًا؟

والسؤال الأهم.. كيف نعرف الإعلام المأجور؟

الجواب، إن الإعلام الذي يهاجمني أو ينتقدني كدولة أو ككيان أو حتى كفرد يحتمل (وفق تجربتي المهنية) أن يكون واحدًا من أربعة، فهو إما إعلام:

1- (مـوضـوعـي): يعمل بمهنية ويستخدم الحقائق في نقدي، متوازن يذكر الإيجابيات والسلبيات، عادل ومحايد يفسح المجال للاستماع لجميع الآراء ووجهات النظر دون تدخل أو تحيز، فهو إعلام نزيه أتقبل رأيه وإن ضايقني نقده.

2- (مضلَّـــل): بمعنى ضال، إعلام ضعيف يفتقر المعايير المهنية، يعمل بميزانيات منخفضة تحول بينه وبين الإنفاق على الإستقصاء والتحقق، يعاني من مشاكل بنيوية وإدارية داخلية، يكتفي بنقل وجهة نظر واحدة غالبًا ما تكون رواية من يصل له أولاً. وهذا صنف قابل لتصحيح المسار، وتقع علي مسؤولية التواصل معه لإفهامه الحقائق.

3- (مؤدلــــــج): متفاوت في الإمكانات، يعتنق أفكارًا وقناعات راسخة غير قابلة للتغيير، تتبدل مواقفه مني حسب أيدولوجيته فأحيانًا يكون معي وأحيانًا ضدي، وحين يكون ضدي فإنه يكون شرسًا في إقصائه وهجومه، ولا مانع عنده من توظيف الأكاذيب والفبركات لتشويهي، وهذا صنف ميؤوس منه، والمحاولة فيه عبث وإضاعة للوقت والجهد.

4- (مأجــــــور): صوت ما يطلبه الدافعون يتلون حسب قيمة الشيك، مرتزق بلا مبادئ ولا قناعات ولا قيم، إعلام الرأي الواحد، منظومة متكاملة من صناعة الأكاذيب وخلق الانطباع، لقيت منه البحرين ما لقيت من صنوف الإساءات والبذاءات. قابل للاختراق شريطة أن تدفع أكثر!!

الفرز والتصنيف السابق مهم؛ لأنه يساعدنا على فهم دوافع ومنطلقات تلك المنصات الإعلامية، وبالتالي ابتكار الخطط والحلول وصياغة الردود المفحمة.

مع الأخذ بعين الاعتبار أنه أحيانًا نجد إعلامًا موضوعيًا بشكل عام، ولكنه في قضية محددة بعينها ولأسباب خاصة يخالف منهجه فيمارس التحيز، المصيبة المعضلة إذا اجتمعت الأدلجة مع الارتزاق في وسيلة إعلاميـة واحدة، عندها يتم تمريغ أنف الحقيقة في وحل الأكاذيب والابتذال.

المقال القادم نكمل (من يصنع الإعلام المأجور)؟!

المصدر صحيفة الأيام

اظهر المزيد
إغلاق