شؤون دينية

نسائم الأحبة

للروائح الحسية أثر كبير في الحياة، إذ يعتبر استنشاق الرائحة الزكية من نعم الله على الإنسان، وتمييز الطيب منها من الخبيث نعمة لا يعرف قدرها إلا من فقدها.

حدثني زميلٌ لي أنه أجرى عمليةً لعلاج الجيوب الأنفية ففقد حاسة الشم من حينها، حتى إنه لا يميز بين (الخايس والخنين) ولذا يستعين بزوجته أو أحد من أصدقائه إذا أراد أن يشتري عطرا أو نحو ذلك.

بيد أن المهم من الرائحة ليس فقط لذة استنشاقها، وإنما ارتباطها بالأماكن والأشخاص، حتى إن أحدنا ليخيل إليه أنه يشم رائحة حبيبه أو قريبه أو توأم روحه، بل يكاد يجزم أنه يجد ذلك، ولا أدلَّ على ذلك من قوله تعالى في قصة يوسف على لسان أبيه يعقوب (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون. قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم). ولم يكن عندئذ قوله من ضلاله القديم وشوقه العميق ولهفته التي مر عليها زمان ولا تزال تتجدد وتتمدد حتى (ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) بل كان حقا وصدقا، حيث فاحت رائحة يوسف من قميصه وهو في مصر فاشتمها الوالد المشتاق وهو في الشام!

هكذا تصنع فينا روائح الأحبة، ولو يعلم الغائب ما يترك من أثر في غيابه لرحم المشتاق وأشفق عليه!

أمَا لو كان المفارق أو الغائب حيا ففي قانون (لابد للحي من التقاء) عزاءٌ وفألٌ حسن.

ولكن ما حيلتنا في غائب لا يرجع

ما حيلة الولد الذي فقد والده وهو يجد أثره في غرفته وداره، ورائحته في ثيابه وجبته وغترته وعقاله!

ما حيلة الطفل الذي هرم بعد وفاة أمه وإنه ليجد رائحتها العطرة تنتشر في زوايا البيت وفِي كل جزء من أجزائه!

ما حيلة الصديق الذي فقد أعز أصدقائه في مجلس اعتادا أن يجلساه على دكة قرب الباب!

ما حيلة المحب الذي كلما غدا أو راح لقي من رائحة الحبيب أهوال الفراق!

يصدق فيه قول عمر بن أبي ربيعة:

ألم ترني كلما جئت طارقًا

وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب!

# تغريدة مثبتة:

استمتع بالبر بوالديك والإحسان إليهما، وبصلة الأرحام، وتربية الأبناء فوق ما تستطيع، فلوعة الفراق أكبر مما تتخيل!

غفر لموتانا وموتى المسلمين، وجمعنا بهم في جنات النعيم.

ودمتم بالود

أحمد يوسف صلاح الدين

اظهر المزيد
إغلاق