المحرقمحليات

خليفة بن سلمان غيابك لا ينسينا عطاءك وتضحياتك

صلاح الجودر

في فترة الكوارث والحوادث دائمًا نتذكر الرجل الذي يقف في الصفوف الأولى لينشر الطمأنينة والراحة في نفوس المواطنين والمقيمين، فما من حادثة إلا ونشاهد الأمير الراحل خليفة بن سلمان آل خليفة (رئيس الوزراء السابق) في ذات الموقع رغم الظروف المناخية الصعبة، يستمع إلى الأهالي ومعاناتهم وجهًا لوجه، ولا يغادر المكان حتى يأمر بمعالجة تلك الإشكالية، فيهتف الناس باسمه (عاش.. عاش بوعلي).

لقد مضى على وفاة الشيخ خليفة بن سلمان أكثر من ستة أشهر ولا زال ذكره حاضرًا بين الناس، وكثيرًا ما نسمع دعوات الترحم عليه وعلى مواقفه الشجاعة، وما ذاك إلا للأثر الكبير الذي تركه في نفوسهم، وبصماته الإنسانية حاضرة شاهدة، فأياديه البيضاء لا ترد محتاجًا أو مضطرًا، سواءً من يحضر مجلسه الخاص أو أولئك الذين يراهم في الشوارع والطرقات، فقد كان ديدنه التجول بسيارته في المدن والقرى، وأبرزها المحرق التي يعتبرها عشقه الأبدي، وكان يفصح بذلك الحب أمام الجميع في مجلسه مع بعض المواقف المضحكة، وفي زياراته كان الناس يتفاجؤون برؤيته والسلام عليه، ومن تلك الزيارات أنه شاهد إحدى المقاهي الشعبية بالمحرق فأوقف سيارته ودخل على المتواجدين بعد أن سلم وسلموا عليه، بل وجلس يلعب معهم لعبته المفضلة (الكيرم) مما أشاع الطمأنينة في نفوس مرتادي المقهى، وأن البحرين بخير في قيادة جلالة الملك المفدى وسمو ولي العهد الأمين.

سيرة ومسيرة الأمير خليفة بن سلمان لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها، فقد جمعت تلك السيرة والمسيرة كل معاني الإنسانية، ليس للقريب فقط، بل حتى أولئك البعيدين الذين لم تسمح لهم الفرصة بلقائه والسلام عليه، فقد كانت أياديه الحانية ترسل رسائل الحب الإنساني للجميع، فكم من فقير أو محتاج قد وقف معه، بل أمر بإعادة بناء اكثر من تسعين بيتاً من بيوت حالة بوماهر التي كانت أشبه بالخرائب، وليس ذلك فحسب بل كان يشرف على عملية الهدم والبناء بنفسه، فكان ينزل إلى المنطقة في فصل الصيف ليتابع أعمال البناء، ولم يرتح حتى اعاد الأهالي إلى مساكنهم الجديدة ذات المواصفات العالية، وأكثر من ذلك أن أقام صالة اجتماعية باسم أهالي المنطقة (صالة حالة بوماهر)، وأقام بجنب الصالة المركز الصحي لأهالي المحرق.

لم تقف مناقب الأمير الراحل خليفة بن سلمان عند ذلك بل تجاوزها إلى تعزيز التواصل المجتمعي، فقد كانت له زيارات (معتادة) مع الأهالي في مختلف مناطق البحرين، ومن يفتح سجل الصور في تلك المجالس يرى الأمير خليفة بن سلمان وهو جالس في صدر المجلس وحوله العلماء والمشايخ وطلبة العلم والوجهاء والأعيان وغيرهم، وقبل هذا وذلك هو استقبال الأهالي أسبوعياً في مجلسه بدار الحكومة ليستمع إلى ملاحظاتهم بحضور معالي الوزراء، وكثيراً ما كان يطالب الأهالي بالمكاشفة والمصارحة لكل ما ينقص عليهم معيشتهم، فيأمر من مجلس بأن تعالج تلك المشاكل بأسرع ما يمكن.

لا يخلو مجلس الأمير الراحل خليفة بن سلمان برجال الصحافة والإعلام، فقد كانت لهم معه حظوة كبيرة، ولا يفتتح حديثه إلا بشكرهم على مواقفهم الوطنية الصادقة، فيباشرونه بهموم الناس وقضاياهم، وتطورات الأوضاع الإقليمية، فكان ذو بصيرة ثاقبة ورأي خاص، ولكن الأبرز هو حبه للبحرين وأهلها، وخوفه عليهم، لذا يطالب بوحدتهم واجتماعهم، وكان كثيرًا ما يردد بان الوطن هو أغلى ما نملك.

إن أبغض الأمور لدى الأمير الراحل خليفة بن سلمان هو الفرقة والخلاف، فكان يوصي بالوحدة والأتلاف، والعمل المشترك، وهذه هي إحدى وصاياه لأبناء هذا الوطن، وما تلك الوصايا إلا للخبرة الطويلة التي يمتلكها، والتجارب الكبيرة التي خاضها، ومما يعزي النفس أن عطاءه بالسنوات الأخيرة من عمره كانت مع الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، فقد كانت شراكة بين الخبرة وطموح الشباب مما أثمر مشاريع حضارية كبيرة، فإن غاب الأمير خليفة بن سلمان فإنه غياب لا ينسينا العطاء والتضحية والحب وواجب الوفاء له.

المصدر صحيفة الأيام

اظهر المزيد
إغلاق